أهمية الصحافة في العصر الراهن


أهمية الصحافة في العصر الراهن

حفظ الرحمان

أيها الإخوة !

    نحن نتنفس في عصر، نسميه  بعصر الانفجار العلمي والمعرفي  وعصر دوائر المعارف  وعصر الاختراعات والانكشافات والتكنولوجيات التي حيرت العقول وأطارت الألباب، حيث اكتشف المهرة في مجال التقنية الحديثة وسائل شتى، وآليات حديثة مختلفة، يسرت الأعمال والأشغال، وخففت الأحمال والأثقال من جانب، وملأت الأرض هرجا ومرجا، والحياة قلقا واضطرابا، والقلب يأسا ومللا من جانب آخر.

    فحينما نحاول إحصاء هذه المستجدات والمخترعات الحديثة نجد من بينها وسائل الإعلام، في أشكال تختلف، وصور تتلون، وأساليب تتنوع، الكترونية كانت أو طباعية أي الصحافة، وأما الصحافة فقد تطورت اليوم تطورا ملموسا، وحققت تقدما ملحوظا، فلم يبق أي مجال من مجالات الحياة إلا ولها فيه دور فعال، علمية كانت أو ثقافية، صناعية كانت أو تجارية، اجتماعية كانت أو حربية – لأن الأقلام ربما قد تقوم بأعمال يتعذر قيامها بالحسام والمهندات – حيث أسرت القلوب، وأخذت النفوس، وأثرت في عروق الإنسان، وغيرت مجرى الزمان، فلا مناص اليوم من تسليم تأثيرها، ولا خلاص من اللجوء إليها، فهي تتمثل في رفع الأقوام بالمدح والثناء، وترويج الفضائل وكريم الشمائل من جانب، ومن جانب آخر وهي تتمثل بحط الأقوام والملل من مكانتها العظيمة، وتوجيه إليها الهجاء والذم، وتهديم الأخلاق والقيم، ونشر الفوضى، وتعميم الظلم والضيم، والخوف والرعب، وترويع الآمنين، وتهديد القاطنين.

فهلا ترون؟! … تفاقم الشرور والفتن … وفقدان الهدوء والأمن … الأحوال أسوأ … والأوضاع متدهورة … الزخارف سراب … والظواهر حباب … الشر والفساد دين وعقيدة … والنضال والقتال روح وعبادة.

أفلا تبصرون؟! … الغاصب بريئ والبريئ غاصب … الخير شر والشر خير … الهادي ضال والضال هاد … المظلوم ظالم والظالم مظلوم … القاضي مجرم والمجرم قاض … الحاكم محكوم والمحكوم حاكم.

أفلا تنظرون؟! … المعمورات تخرب … والأقفار تستعمر … المساجد تدمر … والمعابد تحفظ … الأعضاء تقلم … والأشلاء تمزق … الأجفان تسكب … والعيون تذرف.

أفلا تسمعون؟! … الإنسانية تعوي … والبشرية تئن … هناك صراخات الأقوام … وبكاء الأيتام … وهناك آهات القبائل … وأنات الأرامل … هناك المجزرة العامة … والإبادة الجماعية … وهناك القتل والتشريد … وهتك الأعراض والأموال.

فهل من يلبي النداء؟ وهل من عين تدمع؟ وهل من قلب يحزن؟ وهل من عقل يفكر؟.

    ففي هذا القرن، الحادي والعشرين، أصبحت الصحافة رمزا للجوانب السلبية، وزلت عن مسارها الصحيح، وجعلت الرياح الغربية مأواها التي لا قيام لها ولا انتهاء، فلا تسألوني عن الصحافة الغربية – فرب حال أفصح من مقال – وهي تبنى قصرا وتهدم مصرا، وتكذب الصدق وتصدق الكذب، وتبطل الحق وتحق الباطل، وتكون رأيا عاما في مسألة ما، أكذوبة أو صحيحة، وتسبب التعري والفساد، وتتنافس في الفوضى والإزعاج، وتؤدي إلى ضياع الدين والأخلاق، وتدمير مباني الأخوة والمحبة، وتخريب قصورا التوافق والوحدة، وإلصاق التهم بالمعصومين، وإعطاء شهادة الضمانة للمجرمين، بعدما صارت مرتهنة في أيدي الصهاينة، وأسيرة في براثن اليهود والنصارى، ودمية في مخالب الكفرة الطغاة. فما انحصرت شرورها، وما اقتصرت سمومها في البلاد الغربية فقط، بل تجاوزت إلى البلاد الإسلامية، حتى احترقت مجتمعاتها بشرارها، وأودى أفرادها بسمومها، وتملكت على مشاعرهم ووجدانهم وأفكارهم، فاصطبغوا أنفسهم بصبغة اليهود والنصارى وصاروا أتباعهم في الدين والعقيدة، وتسربت الحضارة والثقافة الغربية في حياتهم، وجعلوا الأزياء الجديدة والطراز الحديثة نصب عيونهم في جميع مجالات الحياة.

    وعندما نتناول الحديث عن الصحافة الهندية، فيبدو أنها لا تختلف شيئا ما عن الصحافة الغربية بل تأثرت بها إلى حد ما، فكم من كتب فاحشة، وكم من رسائل ماجنة، وكم من جرائد مخربة للأخلاق، تصدر يوميا … وأسبوعيا … وشهريا … ونصف شهري … تعمم الفوضى والبلوى، والمنكرات في المجتمعات، وتنشئ جو السفور والتبرج الجاهلي، وتعمق العداء بين الأحباء والأعزاء، وتثير العلاقات العاطفية والجنسية بين الأجيال الناشئة، حتى جعلت الأطفال شبانا … والشبان شيوخا … وجعلت النساء يخرجن في الأسواق والمرقصات والمنتزهات كاسيات عاريات، مائلات مميلات، بدون أي رقيب … ولاحسيب.

    والآن يتحير الشعب المسلم ويتساءل أين لهم الدروب للخروج من سراديب الظلمات؟! وإلى متى تتواكب هذه الجرائد والمؤامرات؟! ومتى يستيقظ المسلمون الغيورون من غفلتهم ويتههم في الضلالات والمتاهات؟! وأين الحل الناجع للضعف والمشكلات التي تشكو منها الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء؟!.

    فعصارة ما قلناه آنفا هو أننا قد وصلنا إلى يوم قد نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، فقال قائل: أو من قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، ويقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: ما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت”. حيث تكالبت علينا الأمم من كل حدب وصوب، وتهافتت علينا تهافت الذباب على الطعام، وأغارت على هذه الأمة الضعيفة المسكينة من كل فج عميق. فالأمان … والحفاظ …على هذه الأمة المنكوبة!.

Leave a comment