مميزات الشعر المهجري

0

مميزات الشعر المهجري

مما لامراء فيه أن الشعر من أقدم الفنون الأدبية، ويعتبر من أرقى أشكال التعبير اللغوي والثقافي، وهو واحد من الفنون الجميلة تستجيب لحاجات الإنسان العاطفية، وتثير وجدانه، لأن الشعر منبعه الأحاسيس والشعور بالفرح والحزن والألم، والشوق إلى أغلى الأشياء في الحياة، ولذا نلاحظ عبر العصور منذ بدايته إلى يومنا هذا أنه يتأثر بالبيئات والأوضاع التي ينشأ فيها وينمو، ويتغير من حيث الشكل والمضمون والموضوعات والأغراض، وخير مثال له الشعر الجاهلي الذي  نجد فيه آثاره الأولى، فيبدأ جميع الشعراء، بدون استثناء، قصيدتهم بذكريات المحبوب(بالتشبيب والتغزل) ثم يأتون بأغراض أخرى من الوصف والمدح والفخر وما إلى ذلك في قصيدة واحدة. ثم شهد الشعر العربي العصر الإسلامي وصبغ نفسه بصبغة الإسلام والنبوة، ثم فيما بعد من أدب الفرس والفرنج، حتى وصل الشعر إلى العصر الحديث بعد فترة من الركود والجمود، وأشرقت شمسه مرة ثانية على أفق الأدب العربي، وتوسع إطاره بجميع نواحيه، والفضل يرجع في ذلك إلى حركات التجديد والإحياء الحديثة في الشعر العربي، ومن أهم هذه الحركات والمدارس الأدبية المهجر الشمالي والجنوبي اللذان لا ننسى نصيبهما في إثراء الشعرالعربي الحديث .

التعرف على الأدب المهجري:

يطلق هذا الاسم على تلك الآداب والمآثر الأدبية التي أنتجها قرائح الأدباء والشعراء من المهجريين، وهم أسر عربية نزحت من بلاد الشام وخاصة من سوريا ولبنان واستقرت في أمريكا الشمالية والجنوبية. بدأت هذه الهجرة في منتصف القرن التاسع عشر واستمرت خلال النصف الأول من القرن العشرين. ففساد الحكم العثماني والاستبداد السياسي وكبت الحريات وانتشار الصراع المذهبي والتعصب الديني والظلم والجور أدي إلى مغادرتهم الوطن، كما اضطروا بسبب الضغط الاقتصادي والبحث عن القوت والرزق إلى هذا المكان حيث لا عراف لهم ولا رقيب.

المدارس الأدبية في المهجر:

ينقسم الشعراء أو الأدباء المهجريون إلى فئتين، من حيث لجوئهم إلى مأوى تسعد فيه الحياة، ففئة استوطنت “نيويورك” و”واشنطن”. وعرف هؤلاء بالشماليين. وكان لهذه الفئة طابعها الخاص في حياتها وأدبها الذي تأثر بالأدب الأمريكي تأثرا واضحا. فقد أدلى أدباء المهجر الشمالي دلوهم في أكثر الفنون الأدبية من النظم والنثر، وجاءوا بأفانين عجاب، حيث قرضوا الشعر وتفوقوا فيه، وأبدعوا في نظمه وانتقاء موضوعاته وقوالبه. وأما نثرهم فكان نثرا عاطفيا وتصويريا واجتماعيا.

وفئة استوطنت في أرجنتينا، وبرازيل وفنزويلا. وكانوا في أدبهم وحياتهم أكثر محافظة من الشماليين، وعرفوا بالجنوبيين. وأما أدباء المهجر الجنوبي فكان ميلانهم أكثر إلى الشعر دون النثر. حيث نجد في شعرهم الشعر القومي والوجداني والاجتماعي.

وأما المذهب الأدبي الذي يشترك فيه الأدب المهجري إجمالا، فهو المذهب الرومانتيكي الذي تأثر به المهجريون كثيرا في أفكارهم وأساليبهم، فكانت أساليبهم البيانية غاية في الجمال والبساطة وحيوية، ولكن غلبت الرومانسية على شعراء الشمال والكلاسيكية المتطورة على شعراء الجنوب.

الأنشطة الأدبية في المهجر:

ظهرت الأنشطة الأدبية في المهجر في صورة الحركات الأدبية، ونمت تحت لواء هذه الحركات الأدبية. ومن أهم هذه الحركات كما يلي:

الأولى – الرابطة القلمية:

هذه الرابطة نتيجة غيرة الأدباء الشماليين المهجريين تجاه اللغة العربية، حيث ظهرت في نيويورك عام 1920م إلى عالم الوجود.

كان أول رئيسها “جبران خليل جبران” كما كان من أعضائها إيليا أبوماضي، وميخائيل نعيمة، ونسيب عريضة، ووليم كاتفليس، وعبد المسيح حداد وندرة حداد ورشيد أيوب وغيرهم.

كان أعضاء هذه الرابطة في البداية ينشرون إنتاجاتهم الأدبية في مجلة ” السائح” و”الفنون”. ولكن لما صدرت مجموعة الرابطة القلمية عام 1921م توارت جميع الجرائد والمجلات، وحملت هذه المجموعة عددا وافرا من المقالات والقصائد لأعضائها.

الثانية – العصبة الأندلسية:

العصبة الأندلسية هي إحدى الحركات الأدبية في المهجر الجنوببي، أسست في مدينة سان باولو بالبرازيل عام 1923م، على يد نخبة من الكتاب والأدباء المهجريين الجنوبيين. وكان أول رئيسها ميشال معلوف.

وقد أصدرت هذه الرابطة مجلة راقية باسم ” مجلة العصبة” لنشر أفكارها وتعميم إنتاج أعضاءها الأدبي وترويج اللغة العربية في المهجر.

التجديد عند شعراء المهجر:

ليس المقصود من التجديد الخروج التام عن التراث الأدبي القديم من حيث المضامين والأساليب ومنهج القصيدة، بل هو السعي إلى استيعاب قضايا المجتمع المعاصرة في الشعر العربي. ومظاهره تجديد في الشكل والفن، ومكاتفته للحركات والمدارس الأدبية الجديدة مع المحافظة على جمال القديم. فعلى صعيد المضامين والموضوعات نجد الأصالة في المزج بين القديم والجديد.

أبرز شعراء المهجر:

هناك قائمة طويلة لشعراء المهجر وأدبائه، ولكن أكتفي بذكر أشهرهم، وهم: جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبوماضي، وعبد المسيح حداد، وندره حداد، ورشيد أيوب، ورشيد سليم الخوري، وميشال معلوف، و شفيق معلوف، وأمين الريحاني، ونسيب عريضة، ونعمة الله حاج، وفوزي معلوف، وشكر الله الجر، وإلياس فرحات، ونضير زيتون وغيرهم.

الخصائص الفنية لشعر المهجر

أولا – خصائص شعر المهجر من حيث المضمون والأغراض:

أ – النزعة الاجتماعية و الإنسانية :

والمراد بها النظر إلى المجتمع نظرة حب ورحمة، والرغبة في أن يعم الخير على الجميع وأن ينتشر بين الناس المبادئ السامية المبنية على الحب والقيم والفضائل وأن يظهرمجتمع أفضل إلى حيز الوجود ويطرأ فيه الشمائل والفضائل. حيث يقول إلياس فرحات :

أثير على التعصب نار حرب         يطير على اللحى منها شرار

قذفت بها قلانسهم فــــطارت         ولو خفت مآثمهم لطـــــاروا

وقد حفل الشعر المهجري بألوان من النقد الاجتماعي الذي يطابق بالطابع الإنساني على أن الإنسان هو ابن المجتمع ومصلحه ومصدر خيره وشره فدعوا إلى المساواة ونبذ الكبر والأنانية حتى تسود المحبة والوئام بين الناس. فما أروع ما قال إيليا أبو ماضي:

نسي الطين ساعة أنه طــين         حقير فصال تيها وعـــــــربد

وكسا الخز جســـمه فتباهى          وحوى المال كيسه فتــمردا

يا أخي لا تمل بوجهك عني           ما أنا فحمة ولا أنت فــرقد

لا يكن قلبك للخصــام مأوى          إن  قلبي للحب أصبح معبد

أنا أولى بالحب منك وأحرى          من كساء يبلي ومال ينفـــد

ب – النزعة التأملية :

نجد أن شعراء المهجر يفكرون دوما ويتأملون في القضايا المختلفة ، فهم يتجهون إلى أنفسهم يتأملون في الفرارا من صخب الحياة وآلامها ومصائبها التي تحاصرهم. كما توجهوا إلى الطبيعة وتأملوا في مظاهرها وشخصوها ليعبروا عما يجيش في نفوسهم من أحاسيس. وهو ربما تكون وليدة معاناتهم من الظلم والجور والبؤس في أوطانهم ومعاناتهم من الغربة والوحدة في المهجر، وأحيانا كانت تعتريهم حالة يأس وضجر من الحياة فيندبون حظهم. يقول إيليا أبو ماضي في قصيدته الطلاسم:

جئت لا أعلم من أين ولكـــني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشـيت

وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟

لست أدري!

ويقول ميخائيل نعيمة في ديوانه ” همس الجفون” :

وعندما الموت يدنـــو          واللحــــــد يفغر فاه

أغمض جفونك تبصر         في اللحد مهد الحياة

ج – الحنين إلى الوطن:

يكثر شعراء المهجر في التعبير عن مشاعرهم تجاه الوطن الأم، لأن العاطفة تلعب دورا فعالا في حياة الإنسان، فهي تحرك أوطار وجدانه، ويتألم لما يصيبه من كوارث والنازلات، وأما بدون العاطفة يصبح الإنسان آلة لا تحس ولاتشعر، فالشعر المهجري يتميز بطابع عاطفي كبير، والسبب في ذلك شعوره بالغربة وهم بعيدون عن أوطانهم. كما يقول إلياس فرحات:

دار العروبة دار الحب والغزل        هاجرت منك وقلبي فيك لم يزل

هلا منت بلقيا استرد بها فجــر        الشباب فشمس العمر في الطفل

ويتجلى ذلك الولوع والشوق والحنين بكل وضوح عند نسيب عريضة حينما يتمنى أن يعودوا به إلى حمص بعد وفاته ليدفن في أرضها فهي أرحم من الأم.

يا دهر قد طال البعاد عن الوطــن    هل عودة ترجى وقد فات الضعن

واجعل ضريحي من حجارة سود   عد بي إلى حمص ولو حشو الكفن

ويقول نعمة الله الحاج:

تذكرت أهلي في النوى وبلايا         وقد طال شوقي للحمى وبعاديا

تذكرت هاتيك الربوع وأهلـها         وياحبذا تلك الربوع الزواهـــيا

وداعا وداعا يا بلادي فإننــي         أودع مشتاقا إلى العود ثانـــــيا

د – التسامح الديني :

إن المهاجرين في البلدان الأجنية كان بعضهم يلتقي بعضا أخر من البلاد المختلفة من لبنان وسوريا ومصر بأديان مختلفة، كلهم يرفعون التعصب الوطني واللغوي على التعصب الديني والإنقسامات القبلية. وهذا سبب لإثارة عاطفة جديدة في نفوسهم هي الحرية الدينية، فنرى أن الأدباء المسلمين وأصحاب الديانة الأخرى يعيشون معا، ويمدح مسيحي منهم دين الإسلام ونبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، كما يقول رشيد سليم الخوري:

عيد البرية عيد المولد النبـــــوي              في المشرقين والمغـربين دوي

عيد النبي ابن عبد الله من طلعت              شمس الهداية من قرآنه العلوي

بدا من القفر نور للــورى وهدى              يا للتمدن عم الكــون من بدوي

ه – الميل إلى الطبيعة والفكر فيها:

وعادة ما يميل شعراء المهجر إلى الطبيعة، ويفكرون في آيات الله في الكون من الجبال والطيور والتلال والغابات والأشجار والأنهار، فهم يناجون الأزهار ويناغون الطيور. وذلك لنسيان ما نزل بهم من الآلام والمصائب، وتذكارا للوطن والتعبير عن الحنين والشوق إلى وطنهم الأصيل. وكذلك يريد الأدباء في المهجر الإشارة إلى أحسن طريق لتهذيب الإنسان، فالإنسان يجب عليه المحاكاة بالطبيعة إذا شاء تهذيب نفسه، فيكثر لديهم ذكر الغاب كما يقول ميخائيل نعيمة:

أشجار الغــــــاب تحيينا       وطيور الغاب تناجينا

وزهور الغاب تصافحنا       ونصافحها وتهـــــنينا

ويقول جبران خليل جبران:

ليس في الغابات موت         لا ولا فيها القصور

فــإذا نيســــــــان ولى لم يمت معه السرور

ويقول ندرة حداد:

فتشت في الناس على ضـــائع        عـــــرفته بالسمع لا بالنظـــــر

يدعونه الحـــــب وكــم جاهل         مثلي يظن الحب بين البشــــــر

فرحت نحو الغاب حيث الظبا         ترعى حيث الطير تعلو الشجر

أنشــــد ما في الناس قد فاتني         كعاشق ينشـــد خلا هجــــــــــر

و – التشاؤم والتفاؤل معا:

عندما يكون الإنسان بعيدا عن الوطن، ويسلط عليه القلق والاضطراب والألم والحزن، يبعث في قلبه اليأس عن مواجهة المشاكل والأحزان، لأنه في هذا الوضع لا يجد لنفسه صديقا أو أخا يؤاسيه ويسليه، فهو لا يأمل في المستقبل عن الخير، يرى أمامه الدروب الحالكة التي لا تأتي إلا بالخطوب، فيشكو عن البث والحزن إلى الزمان ويرسل العبرات فعبرات، وله أنات وزفيرات في وجوده مثل الطائر السجين لا يرى سماء يطير فيها حرا طليقا. فهذا فوزي معلوف يقول:

ألف اليأس قلبه فهوواليأس    يحاكي ثبينــــة وجمـــــــيلا

وإذا اليأس صد عنه قليلا     راح يبكي على نواه طويلا

ويقول نسيب عريضة:

كأن في داخــلي قبرا بوحشـــــته      دفنـــــت كل بشاشاتي وإينـــــاسي

يا قبر آمال نفسي في ثري كبدي     يسقيك صوب دم من قلبي القياسي

ولكن بجانب آخر هناك بعض الشعراء والأدباء في المهجر لا يقنط من رحمة الله، بل يجد التفاؤل حيا كائنا داخل نفسه، ويرجو في الحياة القادمة. ويتفاءل في الحياة ببصيرة والفكر في آلام الإنسان وحياته. كما يقول إيليا أبو ماضي مخاطبا إلى الشاكي من الحياة آلامها :

أيهذا الشـــاكي وما بــــــك داء        كيف تغــــدو إذا غـدوت عليلا

إن شر الجناة في الأرض نفس        تتوقى قبل الرحـــيل الرحــــيلا

والذي نفســـه بغيـــر جـــــمال        لا يرى في الوجود شيئا جميلا

هو عــــبء على الحـــياة ثقيل        من يظــــن الحياة عــــبئا ثقيلا

أيهذا الشــــاكي وما بـــــك داء        كن جميلا ترى الوجود جـميلا

ز – النزعة الروحية:

وهي ثمرة استغراقهم في التأمل والتفكير. ويقصد بها التأمل في الحياة وأسرار الوجود والتطلعات الصوفية. ولعل الداعية إلى هذا التأمل هي موازنتهم بين القيم الروحية في المجتمعات الشرقية والقيم المادية في المجتمعات الغربية. وهذه الفكرة دفعتهم إلى الرجوع إلى الله بالشكاوي والتضرع إليه للنجاة من الحياة المادية وخطورتها، والدعوة إلى المحبة والمساندة الاجتماعية، والإيثار والجود والسخا. يقول نسيب عريضة مناديا أخاه إلى الإنسانية:

وإذا شئت أن تسير وحــيدا            إذا ما اعتـــــرتك مني مــلالة

فامض لكن ستسمع صوتي            صارخا يا أخي يؤدي الرسالة

وسيأتيك أين كنت صـــدى            حبي فتـــدري جماله وجـــلاله

ويقول شكر الله الجر في وحدة الوجود:

وعلام القول إن الله قد حجب عنا

هو في النهر وفي الحقل وفي الغض تثنى

هو في البحر وفي الريح وفي الغابة غنى

هو في الأكوان منذ كانت وفينا كنا

ح – قضية فلسطين:

يمثل شعراء المهجر قضية فلسطين في أشعارهم أكثر بكثير، لأنها جرح لن يندمل، يحس بها كل من لديه قلب نابض في صدره عربيا كان أو مسلما. فلم لا يندبها الشاعر المهجري ويبكي على مأساتها على الرغم من أنه عربي ولديه قلب خافق عربي. حيث يقول الشاعر القروي تنديدا بوعد بلفور:

الحق منك ومن وعودك أكبـــــر      فاحسب حساب الحق يا متجبر

تعد الوعود وتقتضي انجــــازها      مهج العباد خسئت يا مستعمــر

لو كنت من أهل المكارم لم تكن       من جيب غيرك محسنا يا بلفر

ويقول نصر سمعان:

يا فلسطين قدستك الضحـايا           وكساك الخلود أسنى بروده

أنت في معزف الحياة نشيد           لا تمل الحــــياة من ترديده

ويقول إيليا أبو ماضي:

ديار الســـــلام وأرض الهنا           يشق على الكل أن تحزنا

فخطب فلسطين خطب العلا          وما كان رزء العلا هيـنا

ثانيا – مميزات شعر المهجرمن حيث الشكل والأساليب:

أ– التمسك بالوحدة العضوية:

اهتم شعراء المهجر بالوحدة العضوية في القصيدة. ويقصد بها الشاعر توحيد الموضوع والأغراض وترتيب الأفكار والصور في بناء متماسك في قصيدة واحدة حتى لا يختلط الأمر، بغض النظر عن الشعراء الجاهليين الذين يأتون في قصيدة واحدة بأفانين عجاب من ذكريات الحبيب والتشبيب والفخر ووصف الناقة والفرس وما إلى ذلك من الأغراض، فتصبح القصيدة كالجسم الحي الواحد الذي يقوم كل جزء فيه مقامه المحدد له. ولم تقتصر هذه الوحدة العضوية في القصائد فقط، بل حرصوا على اهتمامها بالدواوين أيضا، فالديوان يحمل اسما له صلة بمضمونه كما يبدو من عناوين دواوينهم مثل ” الخمائل” و” الجداول” لإيليا أبو ماضي، و” همس الجفون” لميخائيل نعيمة.

ب – اللجوء إلى الرمز:

الرمز هو أن يتخذ الشاعر من الأشياء الحسية رموزا لشىء ما. فهو يقصد تأدية المعنى عن طريق الأشياء الحسية بدون الإشارة إليه والتصريح به. ومن ذلك قصيدة ” التينة الحمقاء” للشاعر إيليا أبو ماضي. يرمز بها الشاعر لمن يبخل بخيره على الناس، ويشير بها إلى مخاطر الشح وجزاء الأشحاء، مثل هذه التينة التي بخلت بظلها وثمرها على من حولها فضاق بها صاحب البستان فقطعها وأحرقها. كما يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:

عاد الربيع إلى الدنــــيا بموكــــــبه            فازينت واكتست بالسندس الشجر

وظلت التينة الحمــــــقاء عـــــارية            كأنها وتد في الأرض وحجـــــــر

ولم يطق صاحب البستان رؤيتـــها           فاجتثها فهوت في النار تستعـــــر

من ليس يسخو بما تسخو الحياة به            فإنه أحمق بالحــــرص ينتحــــــر

و قد اختاروا لرموزهم موضوعات تتصل بالطبيعة أو عالم الحيوان مثل ” البلبل السجين ” لإيليا أبو ماضي. وقد صاغوا هذا الرمز أحياناً في قالب قصصي كما نجد في ديوان ” الجداول ” لإيليا أيضا بعنوان الضفادع والنجوم والحجر.

ج – التحرر من الوزن والقافية:

تصرف شعراء المهجر في النظام العروضي التقليدي أيضا، حتى تحرر الشعر من قيود الوزن والقافية، ونتج عن هذا أشكال جديدة من حيث البناء والنسق، فتنوع شعرهم ما بين الشعر النثري والشعر الموزون المقفى وشعر التفعيلة والأناشيد والأغاني الشعبية والقومية.  يقول ميخائيل نعيمة:

أخي! إن ضج بعد الحــرب غربي بأعماله

وقدس ذكر من ماتوا وعظــم بطش أبطاله

فلا تهزج لمن سادوا ولا تشمــت بمن دانا

بل اركع صامتا مثلي بقلـــــــب خاشع دام

لنبكي حظ موتانا

أخي! من نحن؟ لا وطن ولا أهل ولا جار

إذا نمــنا إذا قمـــنا ردانا الخـــــزي والعار

لقد خمــــت بنا الدنيا كما خمـــــت بموتانا

فهــــات الرفش وأتبعني لنحـفر خندقا آخر

نواري فيه أحيانا

 

 

 

 

د – الميل إلى الحيوية والسهولة والوضوح في اللغة والأساليب:

الشاعر المهجري يرى اللغة وسيلة لأداء المعاني والأفكاروالتعبير عما يجول في خاطره من الهواجس، واللغة ليست الغاية في نفسها، لذلك آثروا اللغة الحية و الأساليب السلسة و الكلمات ذات المعاني الضخمة و التراكيب السهلة، والمثال على ذلك مطلع قصيدة ” البلاد المحجوبة ” لجبران خليل جبران حيث يقول:

هو ذا الفجر فقومي ننصرف         عن ديار ما لنا فيها صديق

ما عسى يرجو نبات يختلـف          زهره عن كل ورد وشقيق

ه – الإكثار من استخدام الشكل القصصي في القصيدة:

اتخذ شعراء المهجر الشكل القصصي وسيلة للتعبير، فأكثروا في استخدامه في القصائد،  مما يساعدهم على تحليل المواقف الشعورية والعواطف الإنسانية ، وعلى تجسيد الدلالات والمعاني والأفكار. وهذا ما نلاحظه عند جبران ومطران وإيليا أكثر بكثير. وخير مثال على ذلك قصيدة ” الشاعر والأمة” و” الشاعر والملك” لإيليا أبو ماضي.

وكذلك تنوع هذا الأسلوب القصصي بين الواقعية والرمزية والأسطورية حيث نجد نماذجه في أشعارهم  وخاصة في المطولات مثل ” الطلاسم” لإيليا أبو ماضي، و”على بساط الريح” لفوزي معلوف.

و – المغالاة في التجديد وبخاصة شعراء الشمال مما أوقعهم في الخروج على قواعد وأصول اللغة. والفضل في ذلك يرجع إلى كونهم بعيدا عن موطن الثقافة العربية الأصيلة  ورغبتهم الشديدة في التجديد. حيث يقول إيليا أبو ماضي في قصيدته “المساء”:

مات النهار ابن الصباح

فلا تقل لي كيف مات

إن التأمل في الحياة يزيد

أوجاع الحياة فدعي الكآبة والأسى

واسترجعي هزج الفتاة

ويقول ميشال المعلوف في قصيدة رائعة:

في الغاب لا يسمع غير الخفيف

وغير شدو البلبل النازح

تفرق الشمل وعاد الخريف

ما أقرب اليوم إلى البارح

يا ليتني أعلم أين النوى

وأين ريح الجنوب

تحمل عند الغروب

في آخر المطاف:

وزبدة ما ذكرنا أعلاه أن الشعر المهجري نشأ في بلاد يبعد آلاف الأميال من بلاده، وفي بيئة يختلف مناخها عن مناخ بلاده، وفي مجتمع لا يلائم مجتمع وطنه الأصيل من أي ناحية، وترعرع بين تقاليد وثقافات تختلف تماما عن تقاليد وثقافات أرضه، ونما بين أناس يتكلمون لغة لا تمت بأية صلة إلى لغته. فلا بد أن يتأثر الشعر العربي إلى حد ما بخصائص أدبية لهذا البلاد. كما نجد لهذا التأثر الأثر الواضح في تشكيل القصيدة المهجرية من حيث الموضوع والبناء الفني، فجدد شعراء المهجر في القصيدة العربية من ناحية الموضوع، كما جددوا من ناحية الشكل والبناء والأساليب. وعلى هذا لاضير لي في القول أن الشعر المهجري ظهر كطور من أطوار الأدب العربي وكثورة من ثوراته من ناحية التجديد وإقلاع جذور التقاليد.

المراجع والمصادر

  1. الدكتور مسعد بن عبيد العطوي، الشعر العربي الحديث( كتاب إليكتروني، ملف doc) alukah.net .
  2. نور الدسوقي، النزعة الإنسانية في الشعر المهجري ( كتاب إليكتروني، ملف pdf ) ncd.sy.com
  3. عبد الرحمان الشقير، الأثر الإسلامي في شعر المهجر الجنوبي ( مقالة في ملف pdf ) uqu.edu.sa
  4. الدكتورة منيرة ذياب عبد الكريم عودة، الاتجاه القومي في الشعر المهجري ( ملف pdf ، بحث مقدم في المؤتمر الدولي الخامس للغة العربية) alarabiahconference.org
  5. الدكتور نظمي عبد البديع، أدب المهجر بين أصالة الشرق وفكر الغرب ( كتاب إليكتروني في ملف pdf ) http://lisanularab.blogspot.com
  6. الدكتور أيوب تاج الدين الندوي، شعر العرب من النهضة إلى الانتفاضة، البلاغ فبليكشينز، بنيو دلهي.
  7. سيد غوث، مدرسة المهجر: في الشعر العربي الحديث ( صحيفة ذي المجاز) http://www.zelmajaz.com
  8. مريم عزيز، المهجري ومدارسه وشعراءه، http://www.diwanalarab.com

3 Comments Add yours

  1. عبيدالرحمان السنابلي says:

    ماشاء الله نستفيدمن ميزات شعرالمهجر

    Like

  2. شكرا لهذا التعليق

    Like

  3. Ahmad Roshaan says:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخي حفظ الرحمان أحتاج إلى مساعدتك في موضوع، هذا عنوان إيميلي، من فضلك لو ترسل عنوان إيميلك حتى أراسلك الرسالة، وشكرا
    ahmadroshaan77000@gmail.com

    Like

Leave a comment